فصل: قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومعنى {فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض} [الكهف: 45] أي: اختلط بسببه نبات الأرض، وتداخلَ بعضُه في بعض، وتشابكتْ أغصانه وفروعه، وهذه صورة النبات في الأرض الخِصْبة، أما إنْ كانت الأرض مالحة غير خِصْبة فإنها تُخرِج النبات مفردًا، عود هنا وعود هناك.
لكن، هل ظل النبات على حال خُضْرته ونضارته؟ لا، بل سرعان ما جفَّ وتكسر وصار هشيمًا تطيح به الريح وتذروه، هذا مثلٌ للدنيا حين تأخذ زخرفها وتتزيَّن، كما قال تعالى: {حتى إِذَآ أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وازينت وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا} [يونس: 24]. ثم يقول تعالى: {وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا} [الكهف: 45] لأنه سبحانه القادر دائمًا على إخراج الشيء إلى ضِدّه، كما قال سبحانه: {وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: 18]. فقد اقتدر سبحانه على الإيجاد، واقتدر على الإعدام، فلا تنفكّ عنه صفة القدرة أبدًا، أحيا وأمات، وأعزَّ وأذلَّ، وقبض وبسط، وضَرَّ ونفع.. ولما كان الكلام السابق عن صاحب الجنة الذي اغترّ بماله وولده فناسب الحديث عن المال والولد، فقال تعالى: {المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا}.
تلك هي العناصر الأساسية في فتنة الناس في الدنيا: المال والبنون، لكن لماذا قدَّم المال؟ أهو أغلى عند الناس من البنين؟ نقول: قدَّم الحق سبحانه المال على البنين، ليس لأنه أعزُّ أو أغلى؛ إنما لأن المال عام في المخاطب على خلاف البنين، فكلُّ إنسان لديه المال وإنْ قلَّ، أما البنون فهذه خصوصية، ومن الناس مَنْ حُرِم منها.
كما أن البنين لا تأتي إلا بالمال؛ لأنه يحتاج إلى الزواج والنفقة لكي يتناسل ويُنجب، إذن: كل واحد له مال، وليس لكل واحد بنون، والحكم هنا قضية عامة، وهي: {المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا} [الكهف: 46] كلمة {زِينَةُ} أي: ليست من ضروريات الحياة، فهو مجرد شكل وزخرف؛ لأن المؤمن الراضي بما قُسِمَ له يعيش حياته سعيدًا بدون مال، وبدون أولاد؛ لأن الإنسان قد يشقَى بماله، أو يشقى بولده، لدرجة أنه يتمنى لو مات قبل أن يُرزقَ هذا المال أو هذا الولد.
وقد باتت مسألة الإنجاب عُقْدة ومشكلة عند كثير من الناس، فترى الرجل كَدِرًا مهمومًا؛ لأنه يريد الولد ليكون له عِزْوة وعِزّة، وربما يُزَرق الولد ويرى الذُّلَّ على يديه، وكم من المشاكل تُثار في البيوت؛ لأن الزوجة لا تنجب.
ولو أيقن الناس أن الإيجاد من الله نعمة، وأن السَّلْب من الله أيضًا نعمة لاستراح الجميع، ألم نقرأ قول الله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذكور أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49-50].
إذن: فالعُقْم في ذاته نعمة وهِبَة من الله لو قبلها الإنسان من ربه لَعوَّضه الله عن عُقْمه بأنْ يجعل كل الأبناء أبناءه، ينظرون إليه ويعاملونه كأنه أبٌ لهم، فيذوق من خلالهم لذَّة الأبناء دون أن يتعب في تربية أحد، أو يحمل هَمَّ أحد.
وكذلك، الذي يتكدر لأن الله رزقه بالبنات دون البنين، ويكون كالذي قال الله فيه: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل: 58] إنه يريد الولد ليكون عِزْوة وعِزّة. ونسى أن عزة المؤمن بالله لا بغيره، ونقول: والله لو استقبلت البنت بالفرح والرضا على أنها هِبَة من الله لكانتْ سببًا في أن يأتي لها زوج أبرّ بك من ولدك، ثم قد تأتي هي لك بالولد الذي يكون أعزّ عندك من ولدك.
إذن: المال والبنون من زينة الحياة وزخرفها، وليسا من الضروريات، وقد حدد لنا النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا، فقال: «من أصبح مُعَافىً في بدنه، آمنًا في سِرْبه أي: لا يهدد أمنه أحد وعنده قوت يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها» فما زاد عن ذلك فهو من الزينة، فالإنسان إذن يستطيع أن يعيش دون مال أو ولد، يعيش بقيم تعطي له الخير، ورضًا يرضيه عن خالقه تعالى.
ثم يقول تعالى: {والباقيات الصالحات خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46].
لأن المال والبنين لن يدخلا معك القبر، ولن يمنعاك من العذاب، ولن ينفعك إلا الباقيات الصالحات. والنبي صلى الله عليه وسلم حينما أُهديَتْ إليه شاة، وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تعرف أن رسول الله يحب من الشاة الكتف؛ لأنه لَحْم رقيق خفيف؛ لذلك احتفظتْ لرسول الله بالكتف وتصدّقت بالباقي، فلما جاء صلى الله عليه وسلم قال: «ماذا صنعتِ في الشاة»؟ قالت: ذهبتْ كلها إلا كتفها، فضحك صلى الله عليه وسلم وقال: «بل بقيت كلها إلا كتفها».
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: «هل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلتَ فأفنيتَ، أو لبسْتَ فأبليْتَ، أو تصدَّقْتَ فأبقيْتَ». وهذا معنى: {والباقيات الصالحات خَيْرٌ} [الكهف: 46].
والسؤال الذي يتبادر إلى الذِّهْن الآن: إذا لم يكُنْ المال والبنون يمثلان ضرورة من ضروريات الحياة، فما الضروريات في الحياة إذن؟ الضروريات في الحياة هي كُلُّ ما يجعل الدنيا مزرعة للآخرة، ووسيلة لحياة باقية دائمة ناعمة مسعدة، لا تنتهي أنت من النعيم فتتركه، ولا ينتهي النعيم منك فيتركك، إنه نعيم الجنة.
الضروريات إذن هي الدين ومنهج الله والقِيَم التي تُنظم حركة الحياة على وَفْق ما أراد الله من خلق الحياة.
ومعنى: {والباقيات} [الكهف: 46] ما دام قال: {والباقيات} فمعنى هذا أن ما قبلها لم يكُنْ من الباقيات بل هو زائل بزوال الدنيا، ثم وصفها بالصالحات ليفرق بينها وبين الباقيات السيئات التي يخلدون بها في النار.
{والباقيات الصالحات خَيْرٌ} [الكهف: 46] خير عند مَنْ؟ لأن كل مضاف إليه يأتي على قوة المضاف إليه، فخَيْرك غير خير مَنْ هو أغنى منك، غير خير الحاكم، فما بالك بخير عند الله؟
{خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46].
والأمل: ما يتطلع إليه الإنسان مما لم تكُنْ به حالته، فإنْ كان عنده خير تطلَّع إلى أعلى منه، فالأمل الأعلى عند الله تبارك وتعالى، كُلُّ هذا يُبيّن لنا أن هذه الدنيا زائلة، وأننا ذاهبون إلى يوم بَاقٍ؛ لذلك أردف الحق سبحانه بعد الباقيات الصالحات ما يناسبها، فقال تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجبال وَتَرَى الأرض بَارِزَةً}. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)}.
التفسير: لما أجب عن سؤالهم بما أجاب أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يواظب على تلاوة الكتاب الموحى إليه وعلى الصبر مع الفقراء الذين آمنوا بما أنزل عليه، واحتمل أن يكون {اتل} أمرًا من التلو لا من التلاوة أي اتبع ما أوحي إليك والزم العمل بمقتضاه وقوله: {من كتاب ربك} بيان للذي أوحي إليه.
ثم بين سبب اللزوم فقال: {لا مبدل لكلماته} أي لا يقدر أحد على تغييرها وإنما يقدر على ذلك هو وحده فليس لك ولا لغيرك إلا المواظبة على العلم والعمل به يؤكده قوله: {ولن تجد من دونه ملتحدًا} أي ملجأ تعدل إليه إن هممت بذلك فرضًا: وأصل اللحد الميل كما مر في قوله: {يلحدون في أسمائه} [الأعراف: 18] نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة الأنعام عن طرد فقراء المؤمنين بقوله: {ولا تطرد الذين} [الآية: 52] الآية وأمره في هذه السورة بحبس النفس معهم وبمراقبة أحوالهم بقوله: {ولا تعد عيناك} قال جار الله: إنما لم يقل ولا تعدهم عيناك من عداه إذا جاوزه لأنه ضمن عدا معنى نبا وفيه مبالغة من جهة تحصيل المعنيين جميعًا كأنه قيل: ولا تقتحمهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم. ثم نهاه عن الالتفات إلى الأغنياء الكفرة الذين التمسوا منه طرد الفقراء حتى يؤمنوا به فقال: {ولا تطع من أغفلنا قلبه} قال أهل السنة: معنى الإغفال إيجاد الغفلة وخلقها فيهم، أو هو من أغفلها إذا تركها بغير سمة أي لم نسمه بالذكر ولم نجعله من الذين كتبنا في قلوبهم الإيمان، ويؤيد هذا المعنى أن الغفلة عن الذكر لو كانت بإيجاد العبد والقصد إلى إيجاد الغفلة عن الشي لا يتصور إلا مع الشعور بذلك الشيء لزم اجتماع الضدين. وقالت المعتزلة: معنى أغفلناه وجدناه غافلًا بالخذلان والتخلية بينه وبين الأسباب المؤدية إلى الغفلة يؤيده قوله: {واتبع هواه} بالواو دون الفاء إذ لو كان اتباع الهوى من نتيجة خلق الغفلة في القلب لقيل {فأتبع} بالفاء. ويمكن أن يجاب بأنه لا يلزم من كون الشيء في نفس الأمر نتيجة لشيء أن يعتبر كونه نتيجة له والفاء من لوازم الثاني دون الأول، على أن الملازمة بين الغفلة عن ذكر الله وبين متابعة الهوى غير كلية، فقد يكون الإنسان غافلًا عن ذكر الله ومع ذلك لا يتبع هواه بل يبقى متوقفًا متحيرًا {وكان أمره فرطًا} أي متجاوزًا عن حد الاعتدال من قولهم فرس فرط إذا كان متقدمًا للخيل، ويلزم منه أن يكون نابذًا للحق وراء ظهره. وأنت إذا تأملت وجدت حال الأغنياء المتحيرين بخلاف الفقراء المؤمنين، لأن هؤلاء الفقراء يدعون ربهم بالغداة والعشى ابتغاء وجه الله وطلبًا لمرضاته فأقبلوا على الحق وشغلوا عن الخلق، والأغنياء قد أعرضوا عن المولى وأقبلوا على الدنيا فوقعوا في ظلمة الهوى وبقوا في تيه الجهل والعمى. وإنما لم يجز طرد الفقراء لأجل إيمان الأغنياء لأن إيمان من ترك الإيمان احترازًا من مجالسة الفقراء كلا إيمان فوجب أن لا يلتفت إليه.
ثم بين أن الحق ما هو ومن أين هو قائلًا {وقل الحق من ربكم} أي الدين الحق حصل ووجد من عند الله، ويحتمل أن يراد بالحق الصبر مع الفقراء.
وقال في الكشاف: الحق خبر مبتدأ محذوف والمعنى جاء الحق وزاحت العلل فلم يبق إلا اختيار الإيمان أو الكفر، وفيه دليل على أن الإيمان والكفر والطاعة والمعصية كلها مفوّضة إلى مشيئة العبد واختياره. وحمله الأشاعرة على أمر التهديد وقالوا: إن الفعل الاختياري يمتنع حصوله بدون القصد إليه، ثم ذلك القصد لابد أن يقع بالاختيار والقصد فنقل الكلام إليه ولا يتسلسل فلابد أن ينتهي إلى قصد واختيار يخلقه الله فيه. فالإنسان مضطر في صورة مختار وفي صورة هذا التخيير دلالة على أنه سبحانه لا ينتفع بإيمان المؤمنين ولا يستضر بكفر الكافرين. ثم بين وعيد الظالمين الذين وضعوا الكفر موضع الإيمان وتحقير المؤمنين لأجل فقرهم مكان تعظيمهم لأجل إيمانهم فقال: {إنا أعتدنا} أي أعددنا وهيأنا {للظالمين نارًا أحاط بهم سرادقها} وهو الحجرة التي تكون حول الفسطاط فأثبت تعالى للنار شيئًا شبيهًا بذلك يحيط بهم من جميع الجهات، والمراد أنه لا مخلص لهم منها ولا فرج. وقيل: هو حائط من نار يطبق بهم. وقيل: هو دخان محيط بالكفار قبل دخولهم النار وهو المراد بقوله: {انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب} [المرسلات: 30] وقوله: {يغاثوا بماء} وارد على سبيل التهكم كقولهم عتابك السيف. والمهل كل ما أذيب من المعدنيات كالذهب والفضة والنحاس قاله أبو عبيدة والأخفش. وقيل في حديث مرفوع إنه درديّ الزيت. وقيل: الصديد والقيح أو ضرب من القطران. وهذه الاستغاثة إما لطلب الشراب كقوله: {تسقى في عين آنية} [الغاشية: 5] وإما لدفع الحر ولأجل التبريد كقوله حكاية عنهم {أفيضوا علينا من الماء} [الأعراف: 50] ويروى أنهم إذا استغاثوا من حر جهنم صب عليهم القطران الذي يعم كل أبدانهم كالقميص، وقد يفسر بهذا قوله: {سرابليهم من قطران} [إبراهيم: 50] عن النبي صلى الله عليه وسلم: «هو- يعني المهل- كعكر الزيت إذا قرب إليه سقطت فروة وجهه» وهذا معنى قوله: {يشوي الوجوه بئس الشراب} ذلك لأن المقصود من الشراب إراحة الأحشاء وهذا يحرقها ويشويها {وساءت} أي النار {مرتفقًا} متكئًا لأهلها ومنه المرفق لأنه يتكأ عليه. قال جار الله: هذا لمشاكلة قوله في أهل الجنة {وحسنت مرتفقًا} وإلا فلا ارتفاق لأهل النار إلا أن يقال: معنى ارتفق أنه نصب مرفقه ودعم به خده كعادة المغتمين. وقال قائلون: إن الشياطين رفقاء أهل النار من الإنس والمعنى ساءت النار مجتمعًا لأولئك الرفقاء.
ثم شرع في وعد المؤمنين فقال: {إن الذين آمنوا} الآية فإن جعلت {إنا لا نضيّع} اعتراضًا فظاهر وإن جعلته خبرًا و{أولئك} خبرًا آخر أو كلامًا مستأنفًا للأجر أو بيانًا لمبهم فمعنى العموم في {من أحسن} يقوم مقام الرابط المحذوف والتقدير {من أحسن عملًا} منهم.
وتفسير جنات عدن قد مر في سورتي التوبة والرعد. ولأهل الجنة لباسان: لباس التحلي والباس الستر. ولم يسم فاعل {يحلون} للتعظيم وهو الله جل وعلا، أو الملائكة بإذن. و{من} في {من أساور} للابتداء وفي {من ذهب} للتبيين. وتنكير أساور لإبهام أمرها في الحسن، وأساور أهل الجنة بعضها ذهب لهذه الآية، وبعضها فضة لقوله: {وحلوا أساور من فضة} [الدهر: 21] وبعضها لؤلؤ لقوله في الحج {ولؤلؤًا} [الحج: 23] وجمع في لباس الستر بين السندس- وهو مارق من الديباج- وبين الاستبرق- وهو الغليظ منه- جمعًا بين النوعين والاستبرق عند بعضهم معرب استبره. قيل: إنما لم يسم فاعل {يحلون} إشارة إلى أن الحلي تفضل الله بها عليهم كرمًا وجودًا ونسب اللبس إليهم تنبيهًا على أنهم استوجبوه بعملهم، ثم وصفهم بهيئة المتنعمين والملوك من الاتكاء على أسرتهم. والأرائك جمع أريكة وهو السرير المزين بالحجلة، أما السرير وحده فلا يسمى أريكة. ثم إن الكفار كانوا يفتخرون بخدمهم وحشمهم وأموالهم وأصناف تمتعاتهم على الفقراء المؤمنين فضرب الله مثلًا للطائفتين تنبيهًا على أن متاع الدنيا لا يوجب الافتخار لاحتمال أن يصير الغني فقيرًا والفقير غنيًا إنما الفخر بالأعمال الصالحات. والمراد مثل حال الكافرين والمؤمنين بحال رجلين وكانا أخوين من بني إسرائيل أحدهما كافر- اسمه فطروس- والآخر مؤمن- اسمه يهوذا- وقيل: هما المذكوران في سورة والصافات في قوله: {قال قائل منهم أنى كان لي قرين} [الصافات: 51] ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فتشاطراهما، فاشترى الكافر أرضًا بألف فقال المؤمن: اللَّهم إن أخي اشترى أرضًا بألف دينار وأنا أشتري منك أرضًا في الجنة بألف فتصدق به. ثم بنى أخوه دارًا بألف فقال: اللَّهم إن أخي بنى دارًا بألف وإني أشتري منك دارًا في الجنة بألف فتصدق به. ثم تزوج أخوه امرأة بألف فقال: اللَّهم إني جعلت ألفًا صداقًا للحور. ثم اشترى أخوه خدمًا ومتاعًا بألف فقال: اللَّهم إني إشتريت منك الولدان المخلدين بألف فتصدق به. ثم أصابته حاجة فجلس لأخيه على طريقه فمر به في حشمه فتعرض له فطرده وبخسه على التصدق بماله. وقيل: هما مثل لأخوين من بني مخزوم مؤمن وهو عبد الله بن الأشد زوج أم سلمة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكافر وهو الأسود بن عبد الأشد.